کد مطلب:167979 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:126

این لقی الفرزدق الامام بالضبط؟
من الوقائع التی تفاوتت الروایات التأریخیة تفاوتاً غیر یسیر فیها واقعة لقاء الفرزدق الشاعر مع الامام الحسین علیه السلام، خصوصاً فی تحدید مكان هذا اللقاء.

نجد مِنَ المؤرّخین من لایذكر المنزل لامن قریب ولابعید، كالاربلی (ره) حیث یقول: (وقال الفرزدق لقینی الحسین فی منصرفی من الكوفة..)، [1] ومنهم من یذكر أنّ هذا اللقاء كان فی أرض الحرم وخارج مكّة، كما مرّ فی روایة الشیخ المفید (ره) والطبری، [2] ومنهم من یشخّص مكانه فی أرض الحرم كسبط ابن الجوزی حیث قال: (فلمّا وصل بستان بنی عامر لقی الفرزدق الشاعر..)، [3] ومنهم من روی أنهما التقیا فی ذات عرق، كابن عساكر، والبلاذری، [4] ومنهم من قال فی الشقوق، كابن شهر آشوب، والاربلی فی قول ثانٍ، [5] ومنهم من قال فی الصفاح، كالبلاذری، وابن الاثیر، والطبری، وابن مسكویه، والحموی، والدینوری، [6] ومنهم من قال إنهما التقیا بعد خروج الامام علیه السلام من منطقة زُبالة، كالسیّد ابن طاووس (ره) حیث قال: (ثمّ إنّ الحسین علیه السلام سار من زُبالة قاصداً لما دعاه اللّه إلیه فلقیه الفرزدق الشاعر..). [7] .


وقول السیّد ابن طاووس (ره) علی فرض أنّ الفرزدق كان فی طریقه إلی مكّة هو أبعد الاقوال، بل لایمكن أن یُؤخذ به! لانّ الفرزدق لایمكن أن یُدرك الحجّ اذا كان قد التقی الامام علیه السلام الذی خرج من مكّة یوم الترویة قبل زبالة من جهة الكوفة، وذلك لبُعد المسافة التی تستغرق أیّاماً بین زبالة ومكّة المكرّمة، فعلی هذا تكون أیّام الحجّ قد انتهت والفرزدق عند زُبالة لم یصل بعدُ إلی مكّة!

أمّا أقرب الاقوال وأقواها هو ما رواه الشیخ المفید والطبری وسبط ابن الجوزی من أنّ هذا اللقاء كان فی أرض الحرم أطراف مدینة مكة، وفی بستان بنی عامر علی حدّ نقل سبط ابن الجوزی، وذلك لانّ هذا اللقاء كان فی یوم الترویة، فلابدّ أن یكون مكان اللقاء علی هذا القرب قریباً جدّاً من مكّة حتّی یستطیع الفرزدق مع أمّه إدراك أعمال الحجّ فی وقتها.

نعم، یمكن أن نحتمل إمكان أن الفرزدق لقی الامام علیه السلام ما بعد زُبالة علی قول السید ابن طاووس (ره) فقط علی فرض أنّ هذا اللقاء كان اللقاء الثانی بینهما بعد عودة الفرزدق من مكّة بعد أدائه الحجّ وهو احتمال بعید، لبعد المسافة بین مكّة وزبالة التی هی قریب من القادسیة! نعم، یمكن أن یُقال بإمكان ذلك إذا كان الفرزدق قد ترك مكّة مباشرة بعد انتهاء أعمال الحجّ، وجدَّ فی السیر علی أثر الامام علیه السلام فلم یَلوِ علی شیء حتّی أدرك الامام علیه السلام فیما بعد زُبالة، ولكن لم نعثر علی إشارة تأریخیة تفید أنّ الفرزدق قد قام بهذا فعلاً!

وإذا صحَّ أنّ هذا اللقاء علی روایة السیّد ابن طاووس (ره) كان اللقاء الثانی بینهما، بعد عودة الفرزدق من الحجّ، فلایُستبعد عندئذٍ ما رواه السیّد (ره) من أنّ الفرزدق بعد أن سلّم علی الامام علیه السلام قال: (یا ابن رسول اللّه كیف تركن إلی أهل


الكوفة وهم الذین قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقیل وشیعته!؟)، [8] ذلك لانّ خبر مقتل مسلم علیه السلام آنئذٍ كان قد شاع فی الدیار، أو أنّ الفرزدق علی الاقلّ كان قد علم خبره من أوساط الركب الحسینی نفسه قبل سلامه علی الامام علیه السلام وقد استدلّ بعض المحقّقین [9] علی أنّ الصحیح هو أنّ لقاء الفرزدق مع الامام علیه السلام كان فی الصفاح لانّ الفرزدق نظم فی ذلك شعراً، وهو استدلال ساذج لامكان أن ینظم هذا الشعر غیر الفرزدق ثمّ ینسبه إلیه!

وفی ختام البحث حول لقاء الفرزدق مع الامام علیه السلام، یحسن هنا أن ننقل نصّ المحاورة بینهما علی روایة الاربلی (ره) عن لسان الفرزدق أنه قال: (لقینی الحسین علیه السلام فی منصرفی من الكوفة، فقال: ما وراءك یا أبافراس؟

قلت: أُصْدِقُك؟

قال: الصدقُ أُرید!

قلت: أمّا القلوب فمعك، وأمّا السیوف مع بنی أمیّة! والنصر من عند اللّه.

قال: ما أراك إلاّ صدقتَ! الناس عبیدالمال! والدّین لغو (لعق) علی ألسنتهم، یحوطونه مادرّت به معایشهم! فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدیّانون!). [10] .


[1] كشف الغمة، 2:32.

[2] الارشاد: 201؛ وتاريخ الطبري، 3:296.

[3] تذكرة الخواص: 217.

[4] تاريخ ابن عساكر، ترجمة الامام الحسين 7: 303، رقم 261؛ وأنساب الاشراف، 3:377.

[5] مناقب آل أبي طالب، 4:95، وكشف الغمّة، 2:43.

[6] أنساب الاشراف، 3:376؛ وتاريخ الطبري، 3:296؛ وتجارب الامم، 2:56؛ ومعجم البلدان، 3:412؛ والاخبار الطوال: 245.

[7] اللهوف: 32.

[8] اللهوف: 32.

[9] راجع حياة الامام الحسين بن علي عليه السلام، 3:60.

[10] كشف الغمة، 2:32؛ والمحجّة البيضاء، 4:228.